شدت العلاقات المصرية الصينية خلال الخمسين عاما الماضية تطورا مذهلا في كافة المجالات، وقد أثبتت هذه العلاقات قدرتها على مواكبة التحولات الدولية والإقليمية والداخلية، فهي علاقات خبرها الزمن وأكسبها صلابة وقوة تمنحها القدرة على تحقيق مزيد من التطور. وقد تميزت العلاقات المصرية الصينية منذ إقامتها بأنها علاقات لا يعكر صفوها مشاكل حيث لا يوجد أي نوع من التعارض في الأهداف الاستراتيجية لكلا الدولتين اللتين تنتهجان استراتيجيات وسياسات تكاد تكون متوافقة، من حيث السعي والعمل من أجل السلام في كافة أرجاء العالم والدعوة إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وإقامة نظام دولي سياسي واقتصادي منصف وعادل، واحترام خصوصية كل دولة. وتجتهد الدولتان على طريق تنمية الاقتصاد الوطني من أجل حياة أفضل لشعبيهما، ولكل شعوب العالم. وتتفهم كل من مصر والصين مواقف الآخر وتؤيدها، فمصر تؤكد دائما أن هناك دولة واحدة للصين، وتعارض استقلال تايوان، وكان آخر هذه المواقف بيان وزارة الخارجية المصرية في شهر مارس هذا العام الذي أدان قيام السلطات التايوانية بوقف عمل مجلس التوحيد الوطني ووقف تطبيق " الخطوط المرشدة للتوحيد الوطني" كما أن الصين تؤيد الرؤية المصرية لإحلال السلام في الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية، ومبادرة الرئيس مبارك لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. لقد قامت العلاقات المصرية- الصينية على أساس مبادئ مؤتمر باندونغ، ومن ثم أصبحت هذه العلاقات قائمة على حقيقة التقاء مصر الثورة مع الصين الثورة، وكلاهما يعبر عن مبادئ أصيلة في شؤونها الداخلية وتأكيد المصلحة والمنفعة المتبادلة، وبتحليل تلك المبادئ نجد أنها عبرت ولا تزال تعبر عن فلسفة العلاقات الدولية، وروح التعامل بين الدول، بل ويجعل منها أبلغ دلالة، وأكثر أثرا في الرد على دعاوى الهيمنة والسيطرة، أو دعوات الصراع بين الحضارات أو أصحاب نظريات توازن القوى وغيرها من الأفكار التي تزخر بها الساحة الدولية بين حين وآخر وهي تعبر عن الأحادية في التفكير وعن قصر النظر، في حين أن مبادئ باندونغ التي ساهم جمال عبد الناصر وشو ان لاي وآخرون من قادة تجمع باندونغ في إرسائها هي التي تعبر عن روح الإنسانية الأصيلة. هذه هي الحقيقة الأولى التي حكمت علاقات مصر والصين عبر الخمسين عاما الماضية وستظل تحكمها لعقود عديدة قادمة. أما الحقيقة الثانية، فترتبط وتتأسس على ما أسمته مبادئ باندونغ بالمنفعة والمصلحة المتبادلة وقد جسد هذا رئيس مجلس الدولة الصيني الراحل شو ان لاي عندما وقعت أزمة السويس عام 1956 وفرضت الدول الغربية مقاطعة اقتصادية على مصر وبخاصة على القطن آنذاك، حيث قال لجمال عبد الناصر، "إنه لو أطال كل صيني قميصه سنتيمترا واحدا لاحتاجت الصين أضعاف إنتاج مصر من القطن" وفعلا تم ذلك، ولهذا صمدت مصر في تأييدها للصين لاستئناف عضويتها في الأمم المتحدة وتمسكت مصر دائما بمبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين. أما الحقيقة الثالثة فترتبط أيضا بروح باندونغ التي سعت لبناء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي جديد. فهي مبادئ تتوجه للمستقبل، مع استلهامها لعبرة الماضي واستنادها لحقائق الحاضر، وتطورت علاقات مصر والصين لتعميق هذا الجانب، وكان من أبرز معالم هذا التطور توقيع الرئيسين حسني مبارك وجيانغ تسه مين في 5 إبريل 1999 على إعلان إقامة العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين الموجهة للقرن الحادي والعشرين. وقد شهد القرن الحادي والعشرون عددا من المتغيرات التي من شأنها توفير بيئة ومناخ أفضل لمزيد من تعزيز العلاقات المصرية الصينية، فقد تعاظم دور المعلومات عبر الاتصالات الإلكترونية، ومن ثم فإن هناك قنوات متعددة للتواصل بين الشعبين المصري والصيني مباشرة ودون المرور بطرف ثالث. ومن جهة ثانية هناك الدور المتنامي للأجهزة غير الحكومية، سواء في مجال الأعمال أو المجالات الاجتماعية والبيئية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، وهذا من شأنه أيضا أن يفتح آفاقا جديدة للتواصل المصري- الصيني عبر طرق مختلفة ومتنوعة في قطاعات عديدة. وهناك ثالثا حركة السياحة والسفر المتزايدة، وذلك بعد إدراج مصر على قائمة المقاصد السياحية للصينيين وتشغيل خطوط طيران مباشرة بين القاهرة وبكين. ولا مراء في أن المعرفة العميقة بخصائص الحضارة في كلا البلدين تضمن التواصل في العلاقات الطيبة والجيدة عبر الأجيال. كما أن تزايد حركة الاستثمار الصيني وتشجيع الحكومة الصينية لدوائر الأعمال والشركات الصينية على الاستثمار في مصر يمكن أن يكون أحد وسائل حل مشكلة العجز في الميزان التجاري بين البلدين، حيث أن صادرات الصين لمصر في العام الماضي 2005 بلغت مليارا وتسعمائة وأربعة وثلاثين مليون دولار أمريكي فقط في حين بلغت صادرات مصر إلى الصين مائتي وإحدى عشر مليون دولار أمريكي. لقد جرت مياه كثيرة خلال نصف قرن من العلاقات المصرية الصينية، وإذ يتطلع البلدان إلى الخمسين عاما القادمة فإن هذا يتطلب تقييم مسيرة الخمسين سنة من العلاقات تقييما موضوعيا للاستفادة من تجربة هذه الفترة لبناء علاقات أكثر قوة ومتانة واستكشاف مجالات وآفاق جديدة للتعاون المصري الصيني، يعتمد على العطاء المتبادل الذي يستند لفهم كل طرف للمصالح الوطنية للطرف الآخر ويتجاوب معها. كما أن ذلك يتطلب تدعيم الركائز الأساسية للعلاقات المصرية الصينية، الاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية الخ. إن مصر والصين بكل ما يجمعهما من تراث حضاري وثقافي رصين ومسيرة تاريخية ناصعة وإرادة سياسية وشعبية لتعزيز العلاقات على ثقة من أن المستقبل يدخر لهما خيرا وفيرا ومزيدا من التلاقي لمواصلة رحلة عطائهما للبشرية. |
السبت، 3 مارس 2012
التعاون الاقتصدى والتجارى بين مصر والصين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق